اسطنبول ملتقى المستشرقين : الشرق فى عيون ثالثة مستشرقين

Transkript

1 اسطنبول ملتقى المستشرقين : الشرق فى عيون ثالثة مستشرقين أ.د. زكريا قورشون جامعة مرمره تركيا قال المفكر التركي المشهور جميل مريج " إن المستشرقين هم عيون استطالع ثم أظهر ندمه بعد ذلك فى مقال له قائال " أجد أن هذا الحكم غير منصف إلي المستعمرين". " حد بعيد " وقال فى بقية مقاله فلقد تعلمت األجيال التاريخ العثماني من األلماني هاممرHammer وما زال ريد هوسHouse Red صاحب أكبر قاموس فى اللغة التركية 1.) ( وسأضع هذا التقييم فى جانب واألحكام النقدية الدوارد سعيد بخصوص المستشرقين جميعا فى جانب أخر وسأتحدث عن ثالثة من المستشرقين المهمين الذين لقت أعمالهم اهتماما بالغا وتمت مناقشتها حال حياتهم وبعد مماتهم وكتبت عن حياتهم وأعمالهم المتعلقة بالشرق مئات المقاالت واألبحاث ومن الواضح الجلي أن قول شيء جديد عن المستشرقين الثالثة الذين تم الجدل بشأنهم أمر صعب للغاية بل يكاد يكون مستحيال ولكننا سنحاول الوقوف 1 Cemil Meriç, Dilimizin En Büyük Lügat-Nüvisi Redhaouse, Türk Edebiyatı, Subat 1982, sayı

2 علي النقاط المشتركة بين ثالثتهم وسنفرد مكانا لتقيمهم وال جرم أن أهم األمور المشتركة بين الثالثة أنهم عاشوا فى استانبول أجمل مدن الشرق ولو زعم زاعم أنهم عشقوا هذه المدينة فلن يكون مبالغا. لقد كانت استانبول بموقعها الجغرافي مصدر جذب واهتمام على مر العصور ولهذا تعرضت لهجمات مستمرة من الخارج ومع هذا لم تكن استانبول إال عاصمة إلمبراطوريتين اثنتين هما اإلمبراطورية البيزنطية واإلمبراطورية العثمانية وهذا ما جعلها مدينة مستقرة لقرون عديدة ففي العصر البيزنطيكانت محط أنظار واهتمام الغرب ألنهاكانت المنافس الوحيد لروما كما نالت اهتمام الغرب أيضا بعدما فتحها العثمانيون وصارت حاضرة شرقية وعاصمة إسالمية متطورة. اختلفت اآلراء حول تاريخ بداية االستشراق ورغم اإلجماع على أنه قد بدأ في القرن التاسع عشر إال أننا على قناعة أن تاريخ االستشراق من الممكن أن يبدأ من الوقت الذي بدأت تمثل فيه استانبول العثمانيين والحضارة الشرقية بعدما كانت امتدادا للحضارة الغربية وال نبالغ إذا اعتبرنا أن تاريخ فتح العثمانيين الستانبول هو تاريخ بداية االستشراق. وبتلك النظرة يمكننا القول أن المستشرقين األوائل هم العلماء الذين هاجروا من 2 استانبول البيزنطية إلى أوربا ( ( فبعدما هاجر البيزنطيون إلى أوربا كانوا يتحدثون عن مدنهم وأضحت استانبول بالنسبة لألوربيين مدينة سقطت في يد الحضارة الشرقية حتى إن بعضهم 48 2 من العلماء البيزنطيين الذي ساهموا فى النهضة األوربية : Demetrius Chalcondyles ( ), John Argyropoulos ( ), Cardinal Bessarion ( ).

3 كان يري أن وقوع المدينة في يد الحكم العثماني نهاية التاريخ وبالطبع فإن هذا التحول زاد االهتمام بالمدينة كما زاد االهتمام بالحضارة الشرقية اإلسالمية في نفس الوقت ولكن علينا القبول بأن وقوع مدينة ال تقل أهمية عن روما بالنسبة العالم المسيحي فى يد المسلمينكان سببا في بدء االستشراق ببعض األحكام المسبقة عن الشرق. ولهذا السبب فهناك اختالفات مهمة بين المستشرقين الذين ألفوا كتبا عن الحياة فى الشرق دون أن يعيشوا فيه وبين من شاهدوا الشرق وعرفوا ثقافته. زار استانبول التى كانت محط االهتمام طوال التاريخ الكثير من الرحالة والباحثين وجعلوها موضوعا لرحالتهم ومؤلفاتهم ولكننا سنتحدث هنا عن المستشرقين الذي عاشوا في استانبول سنين طويلة واعتبروها مثل أوطانهم. ) ( وهو جوزيف أولهم : فون هاممر ويمثل االستشراق األلماني 1851 ( ) والثاني : 3 النمساوي ( المستشرق اإلنجليزي سير جيمس ويليام ريدهوس م() (. أما الثالث: فيمثل االستشراق الفرنسي هو بيير لوتي واسمه األصلي جوليان 1892 فيواد ( ) ( 9.) 49 3 لقد تم عمل الكثير من األبحاث عن هاممر ولقد قيمه المستشرق المشهور Schimmel( )Annemarie بصورة ممتازة أنظر Annemarie Schimmel, Ein Unbekantentes Werk Josph Von Hammer-Purgstalls Die Welt Islams XV, 1-4, Leiden 1974, s ولقد تمت ترجمة هذه الدارسة إلى العربية. انظر : صالح الدين المنجد ونشرها فى كتاب المستشرقين األلمان بيروت 8791 الجزء األول ص ولقد استفدنا من هذه الترجمة 4 لقد نشرت عن ريدهوس الكثير من المقاالت بالتركية واللغات األخري كما نشرت عنه أو مقالة فى األدب التركي الحديث فى مجلة محيط )عدد أغسطس 8787 م ص 64 ( ولقد كررت هذه المعلومات باستمرار بعد ذلك ولكن أكثر ترجمة تفصيليه لحياته كتبها فندلي.

4 لقد عاش المستشرقون الثالثة المختلفون في اللغة والجنس في فترات متقاربة إلى حد ما وليست لدينا معلومات كافية عن مقدار إطالعهم على أعمال بعضهم البعض ومقدار تأثرهم أو تأثيرهم فى بعضهم فعندما توفي األولكان الثالث قد بداية مراحل التعليم ورغم أنهمكتبوا بلغات مختلفة إال أن مجال اهتمامهم كان واحدا وهو ما قرب بينهم وثالثتهم مثلهم مثل كل المستشرقين يهتمون بكل شيء يتعلق بالشرق وعلومه فتخصصوا فى التاريخ العثماني واألدب العثماني وأحيانا في األدب الفارسي. عشق المستشرقون الثالثة استانبول فقد عمل فيها كل من هاممر وبير لوتي باسم دولتيهما أما ريدهوس فقدكان موظفا فى خدمة الدولة العثمانية في استانبول وقد غادر ثالثتهم استانبول رغما عنهم وشعروا بالرغبة في العودة لها حتي أخر يوم فى حياتهم. ويتميز هاممر عن اآلخرين أنه تعلم الشرقيات فى النمسا فى سن صغيرة ولكن ثالثتهم قد عرفوا العالم الشرقي فى استانبول وكأنهم أكملوا تعليمهم عن الشرقيات في هذا المكان وقد أحسن العثمانيون استقبالهم فاستفادوا قدر المستطاع من علماء استانبول ومفكريها ومكتباتها ومجموعات الكتب الغنية بها وتيسرت لهم فرصة مراقبة ومشاهدة مجتمع استانبول بكل سهولة وحرية وهذا ألنه كان مجتمعا مفتوحا بكل كرم وتسامح لكل المنسوبين لكل دين. Carter V. Findley, Sir James W. Redhouse ( ): The Making of A Perfect Orientalist?, Journal of the American Oriental Society, 99.4, New Haven 1979, s كتبت الكثير من المقاالت بالتركية عن بيير لوتي ولكن هناك تقييم جميل كتب بالتركية.انظر : Faruk Ersöz, Güdümlü Bir Yazar Olarak Pierre Loti, Toplumsal Tarih, Ocak 2000, s

5 ولقد ساهمت مشاهداتهم هذه بصورة كبيرة في نضوج أفكارهم ويمكن القول إن مدارس الشرقيات الثالثة الخاصة بهم قد تكونت فى استانبول. استخدمكل من المستشرقين الثالثة اسم إسالمي وأسسوا صالت وثيقة وروابط متينة مع " المجتمع الشرقي فقد استخدم هاممر اسم " يوسف وهو معنى اسمه بالشكل المستخدم بين المسلمين. 1 وجعل أشهر النقاشين في استانبول مثل رحمي وعزمي يحفر له أختام بهذا االسم) ) بل وحفر هذا االسم علي شاهد قبره أيضا. ومن الشائع أن ريدهوس عندما جاء إلى استانبول استخدم اسم " مصطفي " وهو من األسماء المحبوبة عند المسلمين حتي إنه كان يقال عنه إنه 5.) مسلم وهذا بسبب هذا االسم أما بيير لوتي فوجد أن اسم عارف أفندي الئقا به وهذا االسم من ناحية المعنى من األسماء الموقرة بين المجتمعات اإلسالمية ولم يطلق بيير لوتي هذا االسم علي نفسه فحسب بل أطلقة أيضا على بطل روايته التي كتبها عن استانبول وحياته فى الشرق) وال جرم أن بلوغ قمة الهيام بالشرق من األمور التي اشتركوا فيها جميعا وكما هو 0 معروف فإن الرومانسية الحية عند ثالثتهم قد سحرت بفروق العالم الشرقي عن الغرب ( ) ال سيما أن ثالثتهم قد زاروا مدن إسالمية أخري غير استانبول وتأثروا بمن هناك أيضا فقد ذهب 6 A. Süheyl Ünver, Hammer in Kitapları ve Mühürleri, Hayat Tarih Mecmuası, Yıl 5, Sayı 9, 1 Ekim 1969, s ; Fethi Tevetoğlu, Yûsuf b. Hammer, Hayat Tarih Mecmuası, yıl 11, sayı 12, 1 Aralık 1975, s إن بطل رواية ايزاده لبيير لوتي هو الكاتب نفسه : Cemal Demircioğlu, Aziyade ve Hamam da Doğu nun Kurgulanışı, Toplumsal Tarih, Ocak 2000, s للدراسات التى تمت عن هذه الرواية انظر : Galıp Baldıran, Pierre Loti nin Aziyade sinde Osmanlı Başkentine Tarihsel Bir Bakış, Hacettepe Üniversitesi Edebiyat Fakültesi Dergisi, cilt 17, sayı 1, s Cemal Demircioğlu, a.g.mak. 50

6 هاممر وريدهوس إلى مصر أما لوتي فقد ذهب إلى المغرب وإلي القدس فى شيخوخته ولقد انعكست مشاهداتهم فى أعمالهمكما استخدموها فى تحليل مصادرهم كما ان االثنين اآلخرين منهم قد شاهدا ما يكفي عن الشرق أثناء زيارتهما لمدن إيران التاريخية وما يمكن قبوله إن ميلهم الثالثة إلى الشرق كان ثقافيا أكثر منه سياسيا ومن المؤكد أنهم كانت لهم مساعي شخصية أكثر مماكلفوا به وكما ذكر أكثر من مرة عن المستشرقين اآلخرين أنهم قد سئموا من المجتمع الغربي فابتعدوا عنه وكانوا يبحثون عن العالم الخيالي الذي شعروا بالشوق إليه ال سيما أن هاممر لم يكن يريد مغادرة استانبول مطلقا وعندما ذهب إلى فيينا ذهب إليها على أن يعود مرة أخري إلى استانبول ولما خاب ظنه أقدم حتى على النزاع مع األمير مترنهي رئيسا لوزراء النمسا قام هاممر الذي انتهي حلم وخيال الشرق بالنسبة له بعد ذلك برحالت محدودة فى أوربا وعاش بقية حياته كأنه يعيش فى الشرق بين الكتب التي جمعها من الشرق وربما بسبب شوقه إلى الشرق أوصي بأن يتم عمل قبره علي شكل قبور المسلمين التى زارها وكتب على شاهد قبره باليونانية واإليطالية والالتينية بخالف هذا فقد كتب علي هذا الشاهد بالتركية " ) 5 والعربية والفارسية كما كتب عليه آيات من القرآن ( األمر المدهش هو وجود عبارة هو الباقي " على شاهد قبره مثل ما هو موجود على شواهد قبور المسلمين العثمانيين ويحتمل أن يكون هذا األمر لرغبته في إظهار مدي اختالطه وتعلقه بالشرق. 9 Fethi Tevetoğlu, Yûsuf b. Hammer, Hayat Tarih Mecmuası, yıl 11, sayı 12, 1 Aralık 1975, s

7 عندما اختار ريدهوس العيش في استانبول بإرادته كان هاربا من دولته حتى إنه عندما تقاعد وعاد إلى لندن قضي حياته بين الكتب التركية أو مع أصدقائه في السفارة التركية أو مع طالبه األتراك 11. ) ( أما بيير لوتي فقد جاء إلى استانبول عدة مرات وعاش بكل خياالته وأحالمه فى هذا المكان وفضل اإلقامة فى منطقة أبي أيوب االنصاري التى تعد أحسن ممثل للشرق فى استانبول بدال من الحي الذي يفضله األوربيون لإلقامة فى استانبول كما فرش منزله فى فرنسا طبقا لألصول الشرقية. كل من الثالثة كان له اهتمام بالبحرية وكان هاممر يتم إعداده كمترجم للعمل فى الوظائف الخارجية إال أنه قضي جزء من حياته فى البحر عندما تم تعيينه في مصر من أجل متابعة االتفاق الخاص بإنهاء االحتالل الفرنسي على مصر انضم إلى األسطول االنكيليزى 11 وذهب إلى مصر ( ) بخالف هذا فإن مؤلفه الذي خطه في استانبول عن المضايق يعد دليال 12 هاما للبحارة ( ) أما ريدهوس وبير لوتي فقد استهال حياتهم بالعمل كبحارة وأدي كل منهما خدمات جليلة فى هذا المجال. تعلم ثالثتهم اللغة التركية ولقد تعلم هاممر التركية في األكاديمية النمساوية قبل ذهابه إلى استانبول أما ريد هوس فقد طور لغته التركية بالتعلم بين المسئولين العاملين فى استانبول استمرت عالقات ريدهوس بالدولة العثمانية أثناء وجوده فى انجلترا حتي إنه قد أعطيت له مهمة التفتيش ا علي الطالب األتراك القادمين إلى لندن M. Kaya Bilgegil, Türkiye nin Londra daki İlk Talebe Müfettişi Redhouse dur., Kubbealtı Akademi Mecmuası, Yıl 4/4, İstanbul 1975, s İlber Ortaylı, Hammer-Purgstall, TDV İslam Ansiklopedisi, İstanbul 1997, XV, Constantinopolis und der Bosporus, Pesth

8 فى تلك الفترة حتى إنه كان يعلم لغة الكتابة الرسمية على األقل مثل أي موظف عثماني ويدل على هذا التقارير التى خطها أثناء االتفاقية العثمانية اإليرانية سنة 1843 م أما بيير لوتي فقد تعلم التركية في استانبول على يد سوري يدعي زكي مغامز ولكنه فى النهاية استسهل و تعلم التركية بالحروف الالتينية بدل الحروف العربية التي يستخدمها العثمانيين 13 ) ( ولقد أهدي أول اثنان منهما مؤلفا واحدا على األقل إلى أحد سالطين آل عثمان فقد أهدي هاممر كتابه إلى السلطان محمود الثاني أما ريد هوس فقد قدم كتابه إلى السلطان عبد المجيد سنة 1842 م ولقد نال ثالثتهم تقدير حكام العصر واخذوا منهم األوسمة فبينما نال أول اثنان منهما تقدير سالطين آل عثمان نال بييرلوتي تقدير أول رئيس للجمهورية التركية وذلك بإهدائه سجاده شرقية وخطابكتبه مصطفىكمال اتاتورك سنة 1921 باسم مجلس األمة " واألكثر من ذلك أنه قد أسست جمعية باسم " محبي بيير لوتي بزعامة ) التركية الكبير). 1 الشخصيات المشهورة فى تركيا. العجيب أن المستشرقين الثالثة كانوا موجودين فى استانبول فى عصور أزمات الدولة العثمانية وفترات التحول السياسي فيها فقد كان هاممر فى استانبول فى العصر الذي ظهرت فيه المشكالت عقب احتالل نابليون لمصر التي كانت الوالية العثمانية فى ذاك الوقت وريد هوس فكان فى العصر الذي حدث فيه اضطراب فى العالقات بين روسيا والدولة العثمانية أما بيير لوتي فكان فى استانبول فى فترات متعددة وخاصة أثناء طرد الدولة العثمانية من أوربا أثناء 13 Orhan Koloğlu, Türkçe Öğretmeni Zeki Maghamez in Kaleminden Pierre Loti, Toplumsal Tarih, Ocak 2000, s من أجل نص الخطاب انظر : Faruk Ersöz, a.g.mak

9 حروب البلقان والحرب العالمية األولي وعند النظر إلى تلك الخصائص يبقى فى بالنا باستمرار سؤال وهو : هل كانوا موجودين فى استانبول ألداء مهمة ما وال يمكننا الجواب على هذا السؤال بالنظر إلى تراجمهم المعروفة ولكن طبقا لما تمكنا من مالحظته أن ثالثتهم كانوا يعملون للطرفين فمن جانب كان الشرق الذي شعروا بارتباطهم به والمتمثل فى الدولة العثمانية ومن جانب أخر دولهم التى عاشوا فيها ولهذا فمن المؤكد أنهم خصصوا قسما كبيرا من مساعيهم لتطوير العالقات بين دولهم وبين الدولة العثمانية. 55

10 هاممر والعالم الشرقي : بدأت دراسات الشرقيات في النمسا فى أواسط القرن السادس عشر بوضع دروس اللغة العربية واللغة التركية في برنامج جامعة فيينا وال جرم أن اهتمام النمساويين كان سياسيا ولكن هذه البداية أدت بمرور الوقت إلى إعداد الكثير من المستشرقين الجدد وخاصة عندما أسست ) )المتوفاة سنة ماريا تريزا 1781 م أكاديمية الشرقيات وبجهودها زاد االهتمام ببحوث اإلسالم والعالم اإلسالمي وكان هاممر من الطالب الذين تعلموا في هذه األكاديمية. هل كان هاممر أفضل مستشرقي عصره لقد س ئل هذا السؤال في حياته عدة مرات وا نتقدت مؤلفاته بشدة حتى إنه قد اشيعت فكرة أن هاممر مترجم يستخدم األلمانية بصورة جيده أكثر منه مستشرق ولكن هذه االنتقادات ال تمنعنا من أن نعتبره مؤسس االستشراق األكاديمي األلماني النمساوي أنه قد أدي خدمتين كبيرتين في هذا المجال 19 ( ) خاصة األولي : هو كتابته تاريخ الدولة العثمانية المكون من عشرة مجلدات وتناول فيه األحداث التاريخية من تأسيس الدولة العثمانية حتى اتفاقية كوجوك قاينارجة سنة )وهي 1774 م سنة ميالده ) ولقد نجح هاممر الذي استخدم الوثائق والمصادر الغربية ثم المصادر التركية والعربية الفارسية بصورة واسعة في عمل شيء لم يجرؤ عليه أي أوربي أخر حتى اليوم أما الخدمة الثانية : هو تعريف الغرب العديد من المصادر الشرقية أثناء إعداد مؤلفه وعلى رأسها بعدما لفتت سوزانا ل. مرشند إلي كونه فى األساس مترجم الدولة قالت وهي محقة إن هاممر هو مؤسس الدراسات العربية الحدية والتاريخ العثماني فى األلمانية Suzanne L. Marchand, German Oriantalism in the Age of Empire: Religion, Race and Scholarship, Washington s. 119.

11 كتاب المؤلف العثماني حاجي خليفة المشهور باسم كاتب جلبي ولم يكتف بهذا بل قام بتعريف الغرب برحلة أوليا جلبي الذي يعد من أهم الرحالين فى العالم. توجد بعض األخطاء فى كتاب التاريخ العثماني الذي كتبه والذي ما زال متداوال بين ) 11 أيدي الباحثين ( وال جرم أنه سيطرت على هذا الكتاب النظرة السياسية النمساوية للدولة العثمانية باعتبارها جار منافس لها وهناك الكثير من المؤرخين حتى هذا العصر يرسمون التاريخ طبقا للدولة التي ينتمون إليها وعند مراعاة هذا األمر الذي ال مفر منه يمكن انتقاد تاريخ هاممر من ناحية األسلوب واألصول فقط ولكننا على قناعة أن نظرته االستشراقية يمكن معرفتها ليس بالبحث فيما كتبه بالبحث فيما لم يستطيع أن يكتبه ويشرح هاممر فى تاريخه الفترات التي تفوقت فيها الدولة العثمانية والتي توجهت فيها إلى أوربا ولكن عدم كتابته التاريخ بعد معاهدة قاينارجة 1774 م التى تعد بداية سقوط الدولة العثمانية وعدم كتابته األجزاء األخري وخاصة المتعلقة بعصره ومشاهداته العينية أمر له معناه ويجعلنا نسأل : لماذا كتب تاريخه حتى سنة 1774 م وقد يقول قائل إن هذا منبعه أنه لم يرغب فى إفساد سحر الشرق الذي تشكل فى عقله ولكن مذكراته التي كتبها في الفترة األخيرة ال تشير هذا البتة وفي تلك المذكرات نجح هاممر فى الفصل بصورة جزئية بين أعمالة األكاديمية ومشاعره وأحاسيسه فالنظرة الحيادية الموجودة فى أعمالة قد تغيرت فى مذكراته فلقد كرر فى مذكراته الرأي الغالب فى السياسة النمساوية القائل بأن الدولة العثمانية ذات أساس ال يمكن إصالحه وسقوطها أمر ضروري " 1616 Söz gelimi Fatih Sultan Mehmed e kan dökücü, yeniçerilere de yağmacı bakışı bu eserinde ilk gözlemlenen ön yargılarındandır. Bu yaklaşım ve diğer eserlerinin bir değerlendirmesi için bak: فأول ما يالحظ على المؤلف أن له أحكام استباقية مثل نظرته للسلطان محمد الفاتح على أنه سفاك للدماء واألنكشارية على أنهم لصوص من أجل تقييم هذا السلوك فى أعماله انظر : İlber Ortaylı, a.g.mak. 57

12 ولكن هذه الكلمات ليست السبب في تسميته مستشرقا بل على العكس فإن نظرته إلى الشرق قد لخصها فى جملة واحدة وردت في مذكراته بأسلوب محير فعندما ترك هاممر األراضي العثمانية التي عرفها بأنها " وطن الفكر " ودخل حدود النمسا قال عن الحدود ما يلي " وعبرت اإلشارات المفرقة بين البربرية التركية والثقافة األوربية 15 " ( ) وإذا وضعنا فى الحسبان أن هذه الجملة قد كتبت فى فترة متأخرة من حياته يرد على العقل سؤال : هل من الممكن الوصول إلى أن هذا هو رأيه األساسي عن الشرق برغم كل الخدمات التى قدمها للعلوم الشرقية. هل كان ريدهوس مستشرقا أم لغويا ذكرنا فيما سبق أن ريد هوس االسم الثاني فى موضوع البحث كانت حياته المليئة باألسرار موضوع للكثير من األبحاث فى اللغات األوربية واللغة التركية. ومسألة مقدار تمثيله لالستشراق اإلنجليزي أمر قابل للنقاش ولكن إذا ما وضعنا إسهاماته التي قدمها في تعليم البحرية العثمانية جانبا فإنه حتى اليوم المستشرق الوحيد الذي أعد أهم قاموس بين التركية واالنجليزية ومازال يحافظ على هذه الصفة ويتسم بها حتي اليوم ولقد تم عمل الكثير من الدراسات بعد ذلك بناء على قاموس ريد هوس ولقد تناولنا فيما سبق قسما من عالقته بالشرق ولكن إذا ما انتبهنا إلى أن كل أبحاثة االستشراقية قد كثفت في هذا القاموس وقد عمل فى تجهيزه عمره كله تقريبا يمكننا أن نفهم درجة أهمية هذا القاموس وهنا يجب النظر إلى قاموسه من الناحية اللغوية ولكن هذا العمل الذي ألفه باذال فيه جهد كبيرا ووقتا طويال هل يلزم أن نعتبر منبعه وسببه عشق الشرق أم أن هناك أسباب أخري لتحفيزه على هذا العمل واالستمرار كان يري أن كلمة " ترك " تمثل الشرق كله. Bekir Sıtkı Baykal, Hammer in Hatıratı, Dil ve Tarih Coğrafya Fakültesi Dergisi, 1/1, Ankara 1946, s. 131.

13 فيه وجواب هذا السؤال ما زال فى حاجة إلى بحث ولكن األمر القطعي أنه تمكن بهذا القاموس أن يصبح جسرا بين الشرق والغرب وسواء اآلراء التى أوردها فى مقدمة كتابه أم الكلمات الغنية بالمعاني التي نقلها "فندلي "من أحد خطابه تظهر نظرته إلى الشرق. " أدعو للعثمانيين من كل قلبي ووجداني وأتألم بسبب المظالم األوربية الواقعة عليهم تلك المظالم الواقعة بسبب القيل من الجهل والكثير من الكراهية الدينية وقبل أربعين خمسين سنة عندما كنت شابا أملت أن تبقي كراهية األوربيين نسيا منسيا وقد حدث هذا وحاولت أقناع العثمانيين بهذا وأعتقد أنني قد نجحت فى تغيير أفكار الكثير وبدأت تركيا تطلب صداقة أوربا المسيحية ولكن التعصب والرياء لن ينتهي أبدا فلقد أججت أوربا وانجلترا نار الكراهية التي تشعر بها تجاه كل ما هو عثماني وهذا هو خالفي الوحيد مع انجلترا وهو طلب التسامح واالحترام 10 ) ( " إن ريدهوس الذي خط تلك العبارات والذي خصص لمشروع قاموس أكبر من القاموس الذي نشره والذي كتبه طوال عمره كان يأخذ أجره من الدولة العثمانية ورغم هذا أرسل المسودات إلى استانبول وترك المشروع فى منتصفه وعقب ذلك قبل بعرض البعثات التبشيرية األمريكية فى استانبول وترجم لهم بعض التراجم لها ون شر قاموسه الموجود بين أيدينا اليوم ) وال يوجد رد معقول لما دفعه للقيام بهذا ولم تعط إجابة قاطعة عن السؤال الخاص 15 ( بعالقته بالمبشرين األمريكان هل كانت تلك العالقة مادية فقط أم تجاوزت هذا وارتبطت 18 Carter V. Findley, a.g.mak., s لقد وردت معلومات تفصيلية عن جهودة الخاصة بالقاموس فى مقالة فندلي السالفة الذكر 59 13

14 بفعاليات التبشير ورغم هذا فإن أعمال ريدهوس قد ساعدت الغرب على فهم الشرق بصورة صحيحة ويجب القبول بأن بقائه فى استانبول سنين طويلةكان له دور فى هذا. ما الذي كان يبحث عنه بيير لوتي لم يتلق بيير لوتي تعليما جيدا فى دولته خاصة أن اختار البحرية كمهنة يتعيش منها وربما يكون مجيئه إلى الشرق محض صدفة وأول مرة جاء فيها إلى الشرق كانت عندما جاء 25 فبراير 1871 إلى إزميركضابط فى البحرية فى 21 م ثم جاء مرتين بعد ذلك مرة إلى سالنيك وأخري إلي استانبول وفى النهاية أثمرت تلك الرحالت ونشر أولي رواياته المسماة " 1897 فى يناير ازياده " م فالتاريخ الذي نشرت فيه تلك الرواية مهم للغاية ففيه خسرت الدولة العثمانية حرب اضطرت لخوضها مع روسيا وباتفاقية برلين طرحت على الساحة مسألة الشرق الجديد أي خطط تقسيم الشرق بين الدول األوربية الكبري ففى تلك الفترة وبتلك الرواية حاول بيير لوتي شرح نظرة الشرق للغرب وليس نظرة الغرب للشرق وفى الرواية تناول اتهام المسلمين ظلما بالمسئولية عن األحداث الواقعة فى البلقان كما تناول غرور المفوضين الغربيين فى مؤتمر استانبول ونفاقهم وريائهم. وينتقد الروس الذي أحدثوا هذا االضطراب بخالف هذا فإنه يصف العثمانيين بالساعيين الي الجبهة لحماية أوطانهم متوكلين على اهلل في الحقيقة لقد نجح بيير لوتي بوضع نفسه مكان األخر بصورة لم يتوقعها أحد من كاتب غربي عندما خط هذا العمل ونجح جدا فى التعبير عن مشاعر المسلمين والعثمانيين ولما لقي هذا الطرز من الراويات رواجا فى أوربا بقي بيير لوتي طوال عمره صديقا للشرق وظل صديقا للعثمانيين واألتراك فكلما وقعت الدولة العثمانية فى ضيق وتعرضت لضغط الغرب يرفع صوته 61

15 وخاصة أنه كان له رد فعل كبير وقوي أثناء الحروب التي أنهت الوجود العثماني فى أوربا ويتهم الدول األوربية فى المقاالت التي كتبها فى فيجار و جيل بالس وقال مدافعا عن الترك أنهم اتحدوا مع الدولة المعتدية باسم المسيحية وينتقد بشدة الكتاب األوربيين الذين يكتبون " بمفهوم المسيحية الرخيصة " عن تركيا دون أن يعرفوا عنها شيئا 21 ) ( إن المصائب التى واجهها بسبب دفاعه عن الترك كانت موضوع مزاح فى فرنسا وكتب ضده المقاالت ورسمت عليه الكاريكتيرات ورغم هذا ظل على موقفه.. هل هذه الصداقة نابعة من داخل شخص ضاق ذرعا بالقيم الغربية فاحتضن الشرق بشدة أم أنها كانت نتيجة انزالقة صدفه إلي مجال األدب أم هل كان بيير لوتي يبحث عن القيم الموجودة في الشرق و التي بدأت تغرب فى الغربكالتي نشرها فى رواياته مثل " االخالص 21 واألمانة واحترام الكبير وإكرام الضيف والرحمة بالكل حتى الحيوانات " ( ) هل كان يحب الشرق من أجل هذا ويمكن الرد بنعم على تلك األسئلة من بكل سهولة إذا ما نظرنا إلى ما كتبه بيير لوتي مباشرة ولكن يالحظ أن نقاد األدب فى الفترة األخيرة يعارضون هذا الرأي ويرون أن بيري لوتي مثله مثل اآلخرين واحد من المستشرقين الذين عرفهم ادوارد سعيد بأن له هدف مستتر هل كان يعيد تصوير الشرق ويرغب فى توجيهه فحتي الشخصيات التى اختارها لبطولة روايته قد بنيت على إظهار تفوق الغرب فكان دفاعه عن الشرق ألنه المكان الوحيد الذي يستطيع أن يعيش فيه الشعور باألخر الذي أراد تصويره فى خياله بحريةكاملة 22 ) ( 20 Faruk Ersöz, a.g.mak., s Faruk Ersöz, a.g.mak. s Cemal Demircioğlu, a.g.mak. s

16 الحقيقة إن هذا التقييم يتفق مع التعريف الذي قام به إدوارد سعيد فإنه يرى أن " المستشرق" هو المشاهد األوربي الذي يقف مشاهدا باستمرار وال يتدخل فى األحداث مطلقا نعم إن االستشراق ليس بريئا بالكلية و لكن أليس وصفه كله بما ورد فى كلمات المفكر جميل مريج التى ذكرتها فى مقدمة البحث أمر به قليل من الظلم والحيف 62